التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في يوم 20 أكتوبر 1827م هاجمت أساطيل بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، على حين غرة، ودون إعلان حرب، الأسطولين المصري والعثماني المتواجدين في ميناء ناڤارين.
موقعة ناڤارين البحرية وتدمير الأسطولين المصري والعثماني:
في يوم 20 أكتوبر 1827م[1] هاجمت أساطيل بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، على حين غرة، ودون إعلان حرب، الأسطولين المصري والعثماني المتواجدين في ميناء ناڤارين Navarino[2].
لم تكن معركةً عاديَّةً إنما كانت كارثةً بحريَّةً بكلِّ المقاييس. دُمِّر الأسطولان الإسلاميَّان تمامًا[3].
قُتِل من المسلمين في هذا اليوم فقط ما يزيد عن أربعة آلاف جندي[4]، ويصل بعضهم في تقديرات القتلى إلى ستة آلاف[5]، بل ارتفع به أوزتونا إلى تسعة آلاف[6]! يُقدِّر بعض المؤرِّخين شهداء المصريِّين منذ قدموا إلى اليونان بثلاثين ألفًا[7]، وإن كنت أعتقد أن الرقم مبالغٌ فيه.
لم تكن المشكلة فقط هي فَقْد الجنود، ولكن -أيضًا- انقطاع المدد، وعدم القدرة على الانسحاب إذا تطلَّب الأمر لغياب الأسطول.
تُعتبر موقعة ناڤارين إحدى اللحظات الفارقة في حرب اليونان، ولقد كان البون شاسعًا بين قوَّة الأسطولين المصري والعثماني وأيٍّ من الأساطيل الأوروبية الثلاثة التي حاربتهما في ناڤارين، فكيف باجتماع الأساطيل الثلاثة؟!
من هذه اللحظة ستنفصل السياسة المصريَّة عن العثمانيَّة! ستتعامل القوى الأوروبية مع محمد علي باشا، والسلطان محمود الثاني، كقادةٍ لدولتين محاربتين منفصلتين، وليس لدولةٍ واحدةٍ بجيوشٍ متعدِّدة. هكذا ستكون التعاملات الدبلوماسيَّة في الفترة القادمة. أمَّا محمد علي باشا فسيُعيد حساباته، وينظر في مستقبل «بلده» بعد هذه الكارثة.
بعد الموقعة بأقلَّ من شهرين، ونتيجة رفض السلطان لطلبات القوى العظمى، بل ومطالبته إيَّاها بدفع تعويضاتٍ عن الأسطولين المدمَّرين[8]، قامت القوى الثلاث؛ بريطانيا وفرنسا وروسيا، في 8 ديسمبر 1827م، بسحب سفرائها من إسطنبول، وقطع العلاقات مع الدولة العثمانية[9]. ردَّ السلطان على ذلك بمنشورٍ شعبيٍّ أدان فيه القوى الثلاث، ووضَّح أنهم يتدخلون في شئون البلد[10]، وبالتالي فهو يستحثُّ المسلمين في الدولة على القتال في سبيل الله، والجهاد ضدَّ المعتدين. كانت القوَّات العثمانيَّة والمصريَّة ما زالت موجودةً في اليونان، وإن كانت العمليَّات العسكريَّة متوقِّفة من الطرفين لقدوم الشتاء. عندما أقبل ربيع 1828م قام الروس بتصعيدٍ كبيرٍ لتحريك المسألة![11].
[1] Somel, Selçuk Akşin: The A to Z of the Ottoman Empire, the Scarecrow press, Lanham, MD, USA, 2010., p. lx.
[2] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 427.
[3] 155. شاروبيم، ميخائيل: الكافي في تاريخ مصر الحديث والقديم، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1425هـ=2004م. صفحة 4/64.
[4] Tucker, Spencer C.: The Roots and Consequences of Independence Wars: Conflicts that Changed World History, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2018., p. 145.
[5] جوان، إدوارد: مصر في القرن التاسع عشر، تعريب: محمد مسعود، القاهرة، الطبعة الأولى، 1340هـ=1921م. صفحة 750.
[6] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1990م، صفحة 2/10.
[7] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م. صفحة 123.
[8] فريد، 2005 صفحة 132.
[9] أوزتونا، 1990 صفحة 2/11.
[10] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. صفحة 1/682.
[11] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 1/ 1016- 1017.
التعليقات
إرسال تعليقك